الصيام.. رحلة علمية نحو صحة أفضل.

4 Min Read
كتبت: د. سها شعبان

يمثل الصيام تجربة فريدة يخوضها الجسم كل عام، حيث يمر بتحولات فسيولوجية دقيقة تعيد ضبط وظائفه الحيوية، ما يجعله ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل عملية بيولوجية منظمة تعزز الصحة وتساهم في الوقاية من الأمراض.

 

تحولات الجسم أثناء الصيام

عند الامتناع عن الطعام لفترة تتراوح بين 8 و12 ساعة، يبدأ الجسم في استهلاك مخزون الجلوكوز في الكبد والعضلات كمصدر رئيسي للطاقة، مما يساعد على استقرار مستويات الطاقة وتحسين حساسية الجسم للأنسولين، وهو ما يقلل من خطر الإصابة بالسكري.

 

ومع استمرار الصيام لمدة تتراوح بين 12 و24 ساعة، ينتقل الجسم إلى مرحلة “التحول الأيضي” (Metabolic Switch)، حيث يبدأ في حرق الدهون المخزنة للحصول على الطاقة، مما يساهم في فقدان الوزن وتقليل الالتهابات. وتعد هذه المرحلة من أكثر الفوائد الصحية للصيام، إذ تعزز من صحة القلب وتحمي من الأمراض المرتبطة بالسمنة.

 

أما بعد مرور 24 إلى 48 ساعة على الصيام، تبدأ عملية “الالتهام الذاتي” (Autophagy)، وهي آلية طبيعية يقوم بها الجسم للتخلص من الخلايا التالفة وإعادة تدويرها، مما يسهم في الوقاية من أمراض مثل السرطان وألزهايمر، وهي العملية التي حاز بسببها العالم الياباني يوشينوري أوسومي على جائزة نوبل في الطب.

 

الصيام والصحة العامة

لا تقتصر فوائد الصيام على فقدان الوزن فحسب، بل تمتد لتحسين وظائف الجسم بطرق متعددة، منها:

 

تحسين التمثيل الغذائي: يساعد في تقليل مقاومة الأنسولين، مما يساهم في تنظيم مستويات السكر في الدم ويعزز من قدرة الجسم على استخدام الطاقة بكفاءة.

 

تعزيز صحة الدماغ: يزيد من إنتاج بروتين (BDNF)، الذي يدعم وظائف الذاكرة والتعلم، ويحمي من الأمراض العصبية.

 

تقليل الالتهابات: يخفض مستويات المواد الالتهابية في الجسم، مما يساعد في الوقاية من الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب.

 

تحسين صحة القلب: يساهم في خفض مستويات الكوليسترول الضار (LDL) وزيادة الكوليسترول الجيد (HDL)، مما يقلل من خطر الإصابة بتصلب الشرايين وأمراض القلب.

 

كيف نصوم بطريقة صحية؟

للاستفادة القصوى من فوائد الصيام، لا بد من اتباع نظام غذائي متوازن خلال فترتي الإفطار والسحور. ومن النصائح المهمة:

 

البدء بالإفطار بطريقة صحية: تناول التمر مع الماء أولًا، ثم الانتظار قليلًا قبل الوجبة الرئيسية، مع تجنب الجمع بين النشويات والدهون عند كسر الصيام، لأن النشويات تحفز إفراز الأنسولين، مما يؤدي إلى تخزين الدهون بدلاً من حرقها.

 

التركيز على الكربوهيدرات المعقدة: مثل الشوفان، الأرز البني، والبطاطا الحلوة، للحفاظ على مستويات طاقة مستقرة.

 

تناول البروتين الصحي: مثل اللحوم البيضاء، الأسماك، والبيض، للحفاظ على الكتلة العضلية ومنع فقدانها.

 

شرب كميات كافية من الماء: لا تقل عن 8-10 أكواب يوميًا، مع تجنب المشروبات السكرية التي تسبب ارتفاعًا مفاجئًا في مستوى السكر بالدم.

 

ممارسة الرياضة بذكاء: يفضل المشي بعد الإفطار بساعة أو ممارسة تمارين خفيفة قبل السحور، لتجنب الإجهاد.

 

الصيام.. فرصة لإعادة ضبط الجسم

يعد الصيام فرصة ذهبية لمنح الجسم فترة راحة من العادات الغذائية غير الصحية، وهو بمثابة إعادة تشغيل طبيعية لوظائفه الحيوية. وعند اتباع نمط غذائي متوازن، يمكن أن يصبح الصيام أداة فعالة للحفاظ على الصحة، وتعزيز القدرة الذهنية، وتحقيق التوازن الجسدي والعقلي.

 

إن فهم آليات الصيام وتأثيره على الجسم يمكن أن يساعد في تحسين جودة الحياة، ويجعل منه تجربة صحية تعود بالنفع على الإنسان، ليس فقط خلال شهر رمضان، ولكن كنهج مستدام للحفاظ على الصحة على مدار العام.

Share This Article
- Advertisement -