لقد كان مولد الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه بشارة لبزوغ فجر جديد يحمل في طياته النور المبين والحق المتين فجر مؤذن بزوال الشرك والكفر وسبيل المبطلين وإرساء توحيد رب العالمين
إن الاحتفال والاحتفاء بالمولد النبوي الشريف فرصة للمسلم يجدد فيها محبته وانتماءه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ويعزز هذه المحبة والانتماء والولاء لهذا الرسول الأعظم والأكرم الذي اصطفاه الله وأرسله رحمة للعالمين (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ)
وأن مولد المختار ومبعثه يعد من نعم الله بل إن من أعظم النعم على البشرية نعمة الهداية المتضمنة بكتابه الكريم وبالرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)
يجب أن نفهم عظم نعمة الهداية نعمة أن الله أرسل رسولا هو محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وأنزل عليه هذا الكتاب وهو هذا القرآن نعمة كبيرة جداً ألا يستوجب علينا أن نشكر الله على ما من به علينا برسول يعلمنا الكتاب والحكمة ويزكينا
فالابتهاج والتفاعل والفرح بهذه المناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف استجابة إيمانية وتعبيرا أننا نقدر نعم الله علينا {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} هذه هي من النعم إنزال الكتاب بما فيه من حكمة بما فيه من مواعظ هي نعمة عظيمة{ وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا }كنتم قد أشرفتم على السقوط في جهنم فأنقذكم منها بهدايته بالرسول العظيم الذي بعثه إليكم بالكتاب الكريم الذي أنزله إليكم برعايته بلطفه برحمته {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.. فاذكروا نعمته لتهتدوا في الأخير إلى ما يريد الله سبحانه وتعالى أن تهتدوا إليه
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَـمْ تَكُونُوا تَعْلَـمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} يجب أن تكون نفوسنا متعلقة مع فضل الله تعترف لله بعظيم نعمته وتقدر نعم الله عليها وفي مقدمة هذه النعم نعمة الهداية التي كانت عن طريق الرسول والقرآن ومحمد هو رسول الهداية أرسله الله بالهدى ودين الحق فمثل هذه المناسبات العزيزة الإيمانية التي لها علاقة مهمة بديننا ونستفيد منها فيما يقربنا إلى الله تستحق منا الفرح والابتهاج والسرور نجعل منها محطة سنوية نتعلم منها الدروس لاكتساب الوعي وعرفاناً بالنعمة وشكراً لله وشحذ الهمم واقتباس النور وتعزيز الولاء للرسول وللرسالة والتعبئة المعنوية ضد أعداء رسول الله، أعداء الحق أعداء البشرية
لقد أراد لنا أعداؤنا أن يشدونا في مشاعرنا إلى مناسبات تافهة لا قيمة لها ولا أثر في واقع الأمة ويبعدونا عن مثل هذه المناسبات العظيمة ولكنهم فاشلون وخائبون وخاسرون
الاحتفال بهذه المناسبة فرح بفضل الله وبرحمته تقديرا لنعمة الله بإرسال الرسول رحمة للعالمين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}
فالاحتفال استجابة إيمانية
حينما قال تعالى (وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)
بعثه الله رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ليخرج الناس من الظلمات إلى النور و يستنقذهم من استعباد الطاغوت إلى عبادة الله الواحد الأحد بعثه والناس في ضلال وفي حيرة في فتنة قد استهوتهم الأهواء واستزلتهم الكبرياء واستخفتهم الجاهلية الجهلاء حيارى في زلزال من الأمر وبلاء من الجهل فبلغ رسالات الله وأرسى دعائم الحق والعدل وأزاح ظلمات الظلم والجهل وغير بالهدى مسار التاريخ ليعيد البشرية إلى أحضان رسالة الله والعبودية لله
فمن أعظم مظاهر رحمة الله وتكريمه لعباده أن جعل لهم من نوره ما يكشف تضليل وأباطيل وخداع الظلاميين المضلين المخادعين فكما جعل الشمس سراجاً وهاجاً منيراً كونياً تستفيد منه البشرية من نورها ودفئها وترى ما غطاه الظلام
كما قال تعالى {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا}
جعل الرسالة والرسول نوراً للقلوب وكاشفاً لظلمات الضلال منيراً بالهدى والحق والحقيقة كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً}
من حسن الطالع أن نلتقي اليوم في كل الساحات على اشراقة يوم عظيم وذكرى جليلة مهابة ألا وهي ذكرى المولد النبوي الشريف عليه أزكى السلام وأتم التسليم
نلتقي لإحياء أعظم الشعائر نذكر فيها العزيز الحكيم ونقف لنغترف منها زادنا في طريق الخير والعطاء الإسلامي
ونحن إذ نحيي بمحبة وإيمان فعاليات هذه الذكرى الإيمانية إنما لنجدد إيماننا بكل القيم الدينية والإسلامية والأخلاقية ونتخلص من أوزار الحياة الفانية بالمزيد من محبة رسول الله ومن اله وأهل بيته الأخيار الأطهار
ودون ريب أن الأمة العربية والإسلامية تعيش اليوم تحديات كثيرة تستهدف هويتها ووجودها ولا ملاذ لنا جميعا إلا بالتمسك بسنة نبيه وبتعاليمه السمحاء وبحب هذا النبي الكريم وبحب آله الأطهار
وأولى الخطوات أن نعلي كثيرا من شعائر الاحتفاء والاحتفال بالمولد النبوي الشريف
لان ذلك هو الرد المناسب على دعوات التضليل والشوشرة والبلبلة التي يصر المغرضون على أن صوتها أعلى في سعي مريض وحاقد على الإسلام والمسلمين وعلى الرسالة المحمدية
من الأهمية بمكان أن نثبت لأجيالنا المحبة والتقدير والإجلال ونؤكد للعالم المدى الواسع لحب رسول الله في اليمن لتكون رسالتنا الصادقة في دعمنا المتواصل لكل القيم الإيمانية والإسلامية وأولها الاحتفاء اللائق بذكرى المولد النبوي الشريف
كان صل الله عليه وعلى آله وسلم هو «عينَ الرحمة» لقوله سبحانه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)
من هنا وجب علينا أن نعلي من شأن هذه المناسبة الجليلة في النفوس وفي الآفاق وان نظهر صور التقدير للمناسبة ولصاحب المناسبة بما يليق به وبما يليق بتأكيد الطاعة للمولى عز وجل ولعل أهم النفحات الإيمانية والمقاصد الربانية التي يمكن أن يشعر بها المؤمن الصادق في الاحتفال بمولد النبي الكريم صل الله عليه وعلى آله وسلم هو تجديد الإيمان به بالاقتداء به والعمل بما جاء به والسير على نهجه وطريقه القويم
فالآمال المرجوة من الاحتفاء والاحتفال بذكرى مولد المصطفى صل الله عليه وعلى آله وسلم أن يجسد المؤمن الصادق محبته النقية للرسول الأعظم بالقول والعمل والصدق ويتأسى بأخلاقه العظيمة في أعماق نفسه تحقيقا لقوله صل الله عليه وعلى آله وسلم
“لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والناس أجمعين”