انور ابو الخير يكتب : غزة في مهب الريح

7 Min Read
ktab

 

لا أدري من أين أبدأ والعجز والإحباط والحزن والوجع بكل معانيه ومشتقاته وأبعاده يقعدني ويشل قدرتي على صياغة الكلمات وما نفع الكلمات وما جدوى الكتابة ونحن نقف على شفير النهاية
ونرتقب كل يوم موت آخر فلسطيني إنها مسألة وقت ونعلن موت فلسطين وفناء شعب بكامله ونسجل للعرب أكبر خيانتهم إنها فقط مسألة وقت لست متشائم فحسب بل أضخ تشاؤماً مجزرة تلوى أخرى والعالم صامت
لقد استطاعت إسرائيل أن تحقق ما لم يحققه هتلر وذلك بمباركة كونية هكذا نجحت ببث مسلسلات قتلها لآلاف الأطفال ليتابعها الملايين حول العالم وها هو رئيس أكبر بلد في العالم يؤكد كونه صهيونياً ويوضح بأنه ليس من الضروري أن يكون الشخص يهودياً لكي يكون صهيونياً كما يشدد على بقاء إسرائيل قوية لتكون ملاذاً آمناً لليهود فقط ضارباً بعرض الحائط أمن الفلسطينيين متجاهلاً موتهم اليومي متناسياً العذاب الذي يعاني منه الفلسطنين في سجون الاحتلال هو يدعم وبكل قوته الجلاد الإسرائيلي ويخشى أن يخسر صديقه المجرم نتنياهو شيئاً من قوته فيتراجع أداؤه الإجرامي في البطش والتعذيب والقتل جلاد يجرد السجناء من ملابسهم ويبتكر «أحدث الوسائل» لاغتصابهم ويفرغها في داخلهم وبالمسدسات جلاد يصلب السجناء على الحيطان ويفلت عليهم الكلاب لتنهش من أجسادهم جلاد يجوع السجناء والأطفال والكبار والشيوخ حتى الموت ويقتلهم بوسائل لا تخطر حتى على بال إبليس
كيف يمكن لنا أن نستوعب هذا الكم الهائل من الظلم والاضطهاد ونحن نتفرج مكتوفي الأيدي؟
كيف نسكت على مجازر ترتكب بحق شعب أعزل يسعى للبقاء؟
إن التاريخ سيسجل هذا الخزي والعار بأحرف من دماء الأطفال الأبرياء الذين سقطوا ضحية لعالم أعمى عن الحق والعدالة
ماذا سنقول للأجيال القادمة؟ كيف سنبرر لهم صمتنا وخنوعنا وتخاذلنا؟
ف​الخذلان هو تركك نصرة أخيك وعونه والخاذل ضد الناصر والتخذيل حمل الرجل على خذلان صاحبه وتثبيطه عن نصرته وهذا الشعور المؤلم بالطبع هو الشعور السائد لدى الشعوب العربية التي كانت ولا تزال وستبقى قضية فلسطين هي قضيتها الرئيسية والمحورية والوجدانية
فعلى مدى أكثر من 20 شهرا من قيام الكيان الصهيوني المجرم بكل استخفاف بقصف وقتل الفلسطينيين في قطاع غزة وتدمير المنازل والمباني على رؤوسهم وقصف المستشفيات وتدميرها على رؤوس المرضى والجرحى ومنع أبسط أساسيات الوجود كالماء والغذاء عنهم وتدمير كل ما له علاقة بالحياة من كهرباء وماء ومنازل وجامعات ومدارس ومساجد وكنائس ومقار لمؤسسات الإغاثة وتسويتها بالأرض وتهجير قسري لأكثر من مليونين من سكان غزة حتى بلغ عدد الشهداء ما يقارب 80 ألف شهيد وعدد الجرحى أكثر من 170آلاف جريح وآلاف المفقودين وآلاف الأسرى وبالرغم من قسوة وفداحة جرائم الكيان الصهيوني في اعتدائه على غزة إلا أن هذا المشهد ليس بجديد ولو كان في الماضي بصورة أقل بكثير فمنذ عقود يعيش الشعب الفلسطيني وتحديدا سكان غزة تحت وطأة الاحتلال الصهيوني المجرم ويواجه بشكل يومي أنواعا شتى من التنكيل والممارسات الإجرامية واللاأخلاقية من قتل وسجن وتعذيب ونفي خارج وطنه لكن كان هناك في السابق أقله شيء من ردة الفعل من النظام الرسمي العربي ولم يكن يتصور أحد بما فيهم قادة الكيان الصهيوني المجرم أن يكون رد الفعل النظام الرسمي العربي تجاه جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يمارسها الكيان الصهيوني المجرم تجاه سكان غزة وغيرها من الأفعال الإجرامية الدنيئة
بمثل هذا الصمت الرسمي العربي المريب والمهين مما شجع هذا الكيان والدول الداعمة له كالولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية على الاستمرار في هذا المشهد الإجرامي وخرق كل ما له علاقة بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واعتبارهما والعدم سواء
أتفهم أن يكون هناك اختلاف أيدولوجي وعداء من قبل بعض الأنظمة العربية والحركات الإسلامية لأسباب عدة لسنا هنا بصدد الخوض فيها لكن حركات المقاومة في غزة ليست كلها إسلامية والمقاومة رد فعل طبيعي للاحتلال في أي بلد كان وهذا ما أكده وأجازه القانون الدولي ويثبته التاريخ وتفرضه طبيعة الأمور وإذا كان هناك شك لدى بعض الأنظمة العربية أن قطاع غزة و فلسطين بشكل عام هي أراض غير محتلة من قبل الكيان الصهيوني فيمكنها الرجوع إلى القرار الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية والذي اعتبرت فيه المحكمة أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية «غير قانوني»
لقد أصدرت محكمة العدل الدولية فتواها واستنتاجها واضح لا لبس فيه أن احتلال إسرائيل وضمها للأراضي الفلسطينية غير قانونيين وقوانينها وسياساتها التمييزية ضد الفلسطينيين تنتهك الحظر المفروض على الفصل العنصري والأبارتايد وهذا انتصار تاريخي لحقوق الفلسطينيين الذين قاسوا
ولا يزالون عقودا من البطش والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني إذن لا مبرر لهذا الخذلان فدعم سكان غزة ليس واجبا أخلاقيا فقط بل هو ضرورة إنسانية يفرضها الدين والتاريخ واللغة والدم والمصير المشترك وأتساءل هنا عندما يطلب النظام الرسمي العربي عقب كل مؤتمر أو اجتماع من المجتمع الدولي القيام بمسؤولياته تجاه الفلسطينيون العزل في غزة أليست الدول العربية جزءا من المجتمع الدولي؟ ويجب عليها هي أيضا القيام بمسؤولياتها أكثر من غيرها فلم نر منها غير العبارات الشهيرة المتكررة من استنكار وشجب وتنديد وهي تملك كل أسباب القوة من جيوش وأسلحة وأموال واقتصاد وشعوب عربية حية تعيش كل لحظة ألم هذا الضعف والخذلان فلم نر من هذه الدول قطع لعلاقاتها الدبلوماسية أو لعلاقاتها الاقتصادية أو التهديد بما يجب تجاه المصالح المشتركة مع هذا الكيان المجرم والدول الغربية فالكيان الصهيوني لا يعرف إلا لغة القوة و خير دليل على ذلك ما قام به حزب الله من بطولة وشجاعة واستبسال وتأثير أجبر هذا الكيان على قبول وقف إطلاق النار في لبنان علما أن حزب الله ليس دولة ولا يملك القدرات التي تملكها الدول العربية النافذة وإذا كان هناك من يعتقد أن بعد ما أظهره النظام الرسمي العربي من ضعف غير مسبوق في هذه الأزمة أن الكيان الصهيوني والدول الداعمة له ستقبل بحل حقيقي للدولتين

Share This Article
- Advertisement -