انور ابو الخير يكتب : مقامرة ترامب

7 Min Read
ktab

 

إذا كان دونالد ترامب يظن أن بإمكانه العبث بغزة وأمن مصر دون أن تحترق أصابعه فهو واهم إلى حد الجنون خلال الأيام القليلة الماضية لم يتوقف عن ترديد هذيانه حول “أخذ” غزة وطرد أهلها وتحويلها إلى منتجع سياحي فاخر ربما يعتقد أن هذه مجرد مناورة سياسية وربما يأمل أن يكون تهديده مجرد كلمات تلقى في الهواء لكن ما لا يدركه هو أن هذا الخطاب ليس فقط وحشيا وغير أخلاقي بل هو سياسيا انتحار محقق وأن ترامب يلعب بالنار وسيدفع الثمن وإن تنفيذ أي خطة لاقتلاع الفلسطينيين من غزة سيؤدي إلى كارثة لم يشهدها الشرق الأوسط من قبل فخلال عقود استثمرت الولايات المتحدة مليارات الدولارات لبناء تحالفات إقليمية مع دول عربية رئيسية لكنها ستدمر كل ذلك في لحظة واحدة إذا ما قرر ترامب فتح هذا “الصندوق الأسود”
والدول العربية ذات الثقل الجيوسياسي وخاصة مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر وتركيا لم تنتظر حتى يبدأ ترامب بتنفيذ مخططه بل خرجت علنا لترفض أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة
هذه ليست مجرد بيانات دبلوماسية فارغة بل هي رسائل إنذار واضحة أي تحرك أمريكي نحو فرض هذا السيناريو الكارثي سيُشعل الشرق الأوسط وسيجبر هذه الدول على اتخاذ مواقف لم تتخذها من قبل وهي كذلك تحالفات أمريكية تاريخية أنفقت واشنطن عقودا من الزمن في بنائها والآن أصبحت على المحك إذا أصر ترامب على هذا المسار الأرعن فسيكون أول رئيس أمريكي يهدم التحالفات الأمريكية في المنطقة بيده مما سيفقد واشنطن نفوذها الذي عززته لعقود طويلة في الشرق الأوسط إذا تجرأ ترامب على إجبار مصر أو الأردن على استقبال مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين فإن العواقب لن تقتصر على زلزال سياسي واقتصادي لهذه الدول فحسب بل ستجر المنطقة بأكملها نحو حرب شاملة لن تستطيع واشنطن السيطرة على تداعياتها
وأن طرد الفلسطينيين من غزة لن يكون مجرد عملية تهجير قسرية بل سيُنظر إليه كإعلان حرب مفتوحة ضد الشعب الفلسطيني والمنطقة فالمقاومة حينها لن تقتصر على الداخل الفلسطيني بل ستمتد إلى الدول التي سيُفرض عليها هذا السيناريو، مما سيخلق بؤرا جديدة للصراع إسرائيل وكعادتها ستجد في ذلك الذريعة المثالية لتوسيع عدوانها وقد لا يقتصر الأمر على هجمات عابرة بل قد يشعل سلسلة مواجهات تمتد من سيناء إلى الضفة الغربية وصولًا إلى العمق العربي وعليه لن تكون هناك دولة عربية واحدة بمنأى عن هذا الانفجار ولن تستطيع أمريكا كبح التداعيات التي ستنقلب عليها قبل غيرها
أما الدول التي لن تجبر على استقبال اللاجئين فستواجه ضغطا شعبيا غير مسبوق للوقوف في وجه هذا التطهير العرقي ومع تزايد هذا الضغط سيصبح الانحياز الكامل لواشنطن مكلفا أكثر من اللازم وستجد هذه الدول نفسها مجبرة على التوجه نحو موسكو وبكين لحماية مصالحها
نعم ترامب ليس أول من يدفع هذه الدول العربية للابتعاد عن أمريكا لكنه سيكون أول من يجبرها على ذلك بشكل نهائي فالتقارب مع روسيا والصين لم يعد مجرد خيار بل بات ضرورة استراتيجية أمام دول المنطقة التي ترى واشنطن تلعب بالنار وقمة بريكس الأخيرة كانت دليلا حاسما على أن الشرق الأوسط لم يعد يرى في واشنطن الحليف الوحيد الممكن بل إن البدائل باتت جاهزة بالفعل وإذا استمر ترامب في هذه الغطرسة العمياء فسيجد نفسه أمام شرق أوسط ينفض يديه من واشنطن ويتجه نحو قوى أخرى مستعدة لسد الفراغ مما سيعني نهاية الهيمنة الأمريكية في المنطقة بقراره الأحمق وحده
ترامب يفتح صندوق باندورا جديدا ولا يدري أنه سيفلت منه الوحش الذي سيدمره أولًا
فتح هذا الباب لا يعني مجرد تهجير سكان غزة بل هو بمثابة فتح جبهة جحيم جديدة ستلتهم المنطقة وما بعدها فما تشهده الساحة الآن ليس مجرد نزاع سياسي بل هو كارثة من صنع يديه حيث سيؤدي إلى تغييرات جذرية في الخريطة الجيوسياسية للعالم وسيفتح سلسلة من ردود الفعل التي لن تتوقف عند الشرق الأوسط إذا ظن ترامب أن بإمكانه اللعب بهذا الملف دون أن يدفع الثمن، فهو لم يتعلم شيئا من دروس التاريخ في الأساطير صندوق باندورا لم يكن مجرد وعاء مليء بالمصائب بل كان بداية اللعنة التي لم يتمكن أحد من وقفها بعد فتحه وهكذا فإن فتح باب غزة بهذا الشكل المجنون لن يؤدي فقط إلى فوضى في الشرق الأوسط بل قد يكون القشة التي تقصم ظهر الإمبراطورية الأمريكية نفسها حيث ستنهار تحالفاتها وتنهار صورتها ويبدأ أعداؤها في استغلال الفرصة لتسريع أفول نجمها عالميا
فإذا كان ترامب يظن أن باستطاعته التلاعب بغزة وأمن مصر والأردن كأنها رقعة شطرنج سياسية فعليه أن يتذكر أن غزة وأمن مصر ليست مجرد قطعة على رقعة اللعب بل هي الشرارة التي قد تحرق طاولته بالكامل قبل أن يحرك أول جندي فيها
غزة وأمن مصر ليست للبيع والحرب لن تكون نزهة حتى لو افترضنا أن ترامب تجاوز العوائق السياسية وبدأ في تنفيذ خطته الشيطانية فهناك حقيقة واحدة لا يستطيع الهروب منها غزة ومصر ليست لقمة سائغة لقد كانت ولا تزال مقبرة الغزاة
وعلى الرغم من الدمار الذي خلفته الحرب فإن المقاومة الفلسطينية ما زالت قوية ولم تهزم وإذا كان ترامب يعتقد أن بإمكانه “أخذ” غزة بسهولة فهو لا يفهم شيئا عن التاريخ أو الواقع العسكري دخول غزة سيعني نزيفا أمريكيا لا ينتهي من الدماء والموارد وحتى لو حاول تدمير غزة وإعادة بنائها
فهل هو مستعد لإنفاق مئات المليارات من الدولارات على إعادة الإعمار؟ ومن أين سيأتي بهذه الأموال؟ من الكونغرس الأمريكي الذي يئن تحت وطأة الديون؟ من جيوب الأمريكيين الذين بالكاد يتحملون تكلفة المعيشة؟ أم سيطلب من حلفائه المليارديرات أمثال إيلون ماسك أن يمولوا مشروعه الاستعماري؟
فترامب أمام خيارين السقوط السياسي أو التراجع ولا ثالث لهما
إما أن يتراجع عن هذا الجنون ويحاول إنقاذ ما تبقى من علاقاته الخارجية
أو أن يواصل في هذا الطريق الأحمق وينسف مستقبله السياسي بيديه والتاريخ لا يرحم المغفلين يا ترامب وغزة لن تكون المسرح الذي تختبر فيه نزواتك السياسية عليك أن تفهم أن مجرد التفكير في هذه الفكرة كفيلة بأن تدمر رئاستك قبل أن تلمس ذرة تراب واحدة من غزة وتمس بأمن مصر فمن يعبث بالنار لا يخرج منها سالما

Share This Article
- Advertisement -